قال تعالى: *وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا* (طه: ١١٣).
تشير هذه الآية الكريمة إلى أن القصص القرآنية من مثل ما جاء في هذه السورة المباركة قد أثبتت الدراسات دقة ما جاء عنها في كتاب الله، ولذلك فإن جميع هذه القصص يعتبر وجهاً من أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في كتاب الله.والآية الكريمة تشير إلى أن هذه الدقة التاريخية في كتاب الله تشهد للقرآن الكريم بأنه نزل أيضاً بدقة مشابهة على تعدد المجالات التي عالجها، ولفظة (عربياً) هنا لا يُقصد بها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، لأن كلمة (عربي) التي وصف الله تعالى بها القرآن الكريم تعني التمام و الكمال، والخلو من كل نفص وعيب.
وهذه الصفة ليس لها علاقة بالعرب كقومية، على ذلك فعبارة (قرآناً عربياً) تعني قرآناً تاماً، خالياً من كل نقص وعيب، وعلى ذلك فإن (الأعراب) الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم على سبيل الذم، ليسوا هم سكان البادية، فالألف الزائدة في كلمة (الأعراب) نقلت المعنى إلى النقيض تماماً، كما جاءت في اللفظتين (قسط وأقسط) فالأولى معناها ظلم، والثانية معناها عدل. وانطلاقاً من ذلك فإن الصفة (عَرُبَ) تعني تم وخلا من العيب، أما (أعرَب) تعني نقُص وشمله العيب، (فالأعراب) هم مجموعة من البشر تتصف بصفة النقص في الدين، ولا علاقة لها بسكان البادية، ولا بأهل المنطقة العربية.
وفي قوله تعالى: *…وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ…* أي كررنا الوعيد فيه لعل قارئيه وسامعيه يتقون الكفر والمعاصي كما يتقون كل ما حرم الله، وفي قوله تعالى: *…أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا* معناه أن يحدث لهم اعتباراً مؤدياً إلى تقوى الله سبحانه وتعالى واجتناب معاصيه.
قال تعالى: *وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا* (طه: ١٠٥-١٠٧).
في هذه الآيات يشير القرآن الكريم إلى حقيقة مستقبلية لا يعرفها أحد من المخلوقين، فهذه الجبال ليست من جبال الآرض الحالية، ولكنها تشير إلى جبال الأرض الجديدة التي سيتم خلقها بعد فناء الكون الحالي، وهي الأرض التي سوف تُبعث الخلائق منها، ونظراً لكثرة الخلائق الذين الذين عمَروا أرضنا الحالية من بدء خلق أبوينا آدم وحواء عليهما السلام إلى قيام الساعة، فقد شاءت إرادة الله تعالى أن يجعل تلك الأرض الجديدة أكبر مساحة من الكون الحالي كله، بسماواته وأرضه، ثم ينسف الجبال التي خلقها فيها كي يزيد من مساحة سطح الأرض الجديدة ليوفر موضع قدم للخلق الذين غمروا الأرض الحالية طيلة وجودها.ومن طلاقة القدرة الإلهية أن هذه الآرض الجديدة سوف تحتوي كل ذرات الأرض القديمة، كما تحتوي عدداً من معالمها الجغرافية، وعلى الرغم من ضخامة مساحة هذه الأرض الجديدة فإن رسول الله ﷺ يؤكد على أن كل إنسان منا لن يجد لنفسه موضعاً على سطها في أرض الحساب إلا موضع قدميه فيقول: "إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه…"، لذلك أكدت هذه الآيات على أن الله تعالى سوف ينسف الجبال و يجعلها كالرمال، ثم يصيرها كالصوف المنفوش الذي تذروه الرياح فيصيرها كالهباء المنثور،.وبذلك يترك أرض المحشر أرضاً ملساء مستوية لا نبات فيها، وساحة الحشر هذه ستكون خالية من تضاريس الأرض المعروفة لنا على أرضنا هذه.
قال تعالى: وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ * يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ* (طه: ٧٧-٨٠).
تشير هذه الآيات الأربع إلى معجزة أجراها ربنا تبارك وتعالى لعبده ونبيه موسى عليه السلام والذين آمنوا معه، وهذه المعجزة في الأمر الإلهي إلى موسى بضرب الماء في خليج السويس بعصا، فانفلق الماء على هيئة الطود العظيم وجفف ما بين هذين الطودين، حتى ييسر لنبيه وللذين آمنوا معه سهول العبور إلى الحدود الشرقية من شبه جزيرة سيناء، حتى لا يدركهم فرعون وجنوده الذين كانوا يطاردونه ومن معه ليقتلوهم أو يعيدوهم إلى وادي النيل. والآيات تؤكد لموسى آن كلاً من فرعون وجنوده لن يلحقوا بهم، وهذه الحادثة وقعت في حدود القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وذكر القرآن الكريم لها في حدود القرن السابع الميلادي يؤكد على حقيقة أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، وتشير الآية *فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * أن فرعون في مطاردته هو وجنوده لموسى ومن كان معه تخيل آنه كما عبر موسى والذين كانوا معه البحر بسهوله أنه يستطيع اللحاق بهم بالعبور من نفس المكان، ولكن عندما نزل هو وجنوده إلى هذه الفجوة التي أحدثها الله تعالى بمعجزة لموسى ومن كان معه، أطبق الله تعالى عليهم جانبا البحر فأغرقهم جميعاً، وتضيف الآيات أن السبب في هذا الإغراق لفرعون وجنوده أن فرعون كان يُضل قومه عن عبادة خالقهم بالعديد من الدعاوى الباطلة.ثم تتوجه الآية بالخطاب إلى بني إسرائيل ليذكرهم الله تعالى بعدد من نعمه عليهم، والتي كان منها النجاة من عدوهم، والوعد الذي حدده لهم ربهم في الجانب الأيمن من جبل الطور، وختم هذه النعم بالإشارة إلى ما أنزله عليهم من المن والسلوى، والجمع بين المن والسلوى كغذاء متكامل للإنسان في صحراء شبه جزيرة سيناء يمثل لمحة من لمحات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لأن المن غني بالبروتينات النباتية، والسلوى هي من الطيور المهاجرة التي تتحرك في مواسم محددة من السنة، غني لحمها بالمواد البروتينية، ولذلك فإن ذكرها في القرآن الكريم يعتبر من الأدلة العلمية على أن هذا الكتاب لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق، كذلك فإن الإنباء بدقة بالغة عن حدث تاريخي وقع قبل حوالي ٢٠ قرناً من بعثة المصطفى ﷺ يعتبر وجهاً من أوجه الإعجاز الإنبائي و التاريخي في كتاب الله.
قال تعالى: *مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ* (طه: ٥٥).
في قوله تعالى: *مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ…* لمحة إعجازية ثانية، لأن الضمير في قوله تعالى (منها) يعود على الأرض، والأرض ترد في القرآن الكريم بسبعة معاني، ومن هذه المعاني قطاع التربة التي تغطي صخور الأرض، والمكونة أصلاً من تجوية وتعرية صخور قشرة الأرض، لذلك قال المصطفى ﷺ: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض: جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك".ولما كان الإنسان قد خلق أصلاً من تراب الأرض، ثم يحيا على ثمار نباتاتها - وهي معتمدة في غذائها على عناصر ومركبات الأرض - كما يعتمد الإنسان في غذائه على ألبان ولحوم الحيوانات المباحة، وهي تحيا كذلك على نباتات الأرض، فإننا نجد في قوله تعالى: *مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ…*، لمحة من لمحات الإعجاز العلمي في كتاب الله.
وفي قوله تعالى: *…وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ…* فهي إشارة إلى تحلل جسد الإنسان بعد وفاته ودفنه فيعود إلى تراب الأرض بعملية معاكسة لعملية بنائه التي بدأت أصلاً من تراب الأرض.
أما في قوله تعالى: *…وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰى* فيفسره قول رسولنا ﷺ: "كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب"، ويؤيد ذلك الحديث قوله ﷺ: "يبلى كل عظم من ابن آدم إلا عجب الذنب، وفيه يركب الخلق يوم القيامة"، ثم قال ﷺ: "ما بين النفختين أربعون… ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، وليس من الإنسان شئ إلا يبلى، إلا عظماً واحداً، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة…".
وواضح الأمر في النص القرآني الكريم وفي هذه الأحاديث النبوية الشريفة أن بِلى الأجساد هو حكم إلهي عام، لا يستثنى منه إلا أجساد كل من الأنبياء والشهداء، والمؤذنين المحتسبين، وأحاديث عجب الذنب تشير إلى حقيقة علمية لم يتوصل إليها علم الإنسان إلا بعد مضي الثلث الأول من القرن العشرين (Hans Spemann,1935)، الذي نال جائزة نوبل للعلوم عن هذا البحث سنة ١٩٣٥م، وكل من إشارة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة إلى هذه الحقيقة يعتبر وجهاً من أوجه الإعجاز العلمي في هذين المصدرين من مصادر الإسلام ( القرآن والسنة).
وفي قوله تعالى: *…وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰى* تأكيد على حتمية البعث بعد الموت، وهي من القضايا التي أنكرها الملحدون عبر التاريخ لأنهم يقيسون على الله سبحانه وتعالى بمعايير البشر، ولو أدركوا معنى الألوهية ما وقعوا في هذا الخطأ الجسيم.
قال تعالى: *الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ* (طه: ٥٣-٥٤).
هذه الآيات تبدأ بالإشارة إلى نعمة كبرى من نعم الله تعالى على أهل الأرض جميعاً، وهذه النعمة تتمثل في تمهيد سطح الأرض، وشق الفجاج والسبل فيها، كما تتشكل في إنزال الماء من السماء عليها، وفي إخراج أزواج من نبات شتى، وهذه النعم لايمكن أن تُفهم فهماً دقيقاً إلا بمعرفة كيفية خلق الأرض، فمن الثابت علمياً أنه بعد خلق الآرض ألقيت عليها الجبال للتقليل من حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض والتي كانت حركة عنيفة في بدء خلقها، وهذه الجبال في سلاسلها المعقدة كانت تعوق أي حركة للحيوان قبل الإنسان على سطح الأرض، لذلك سخر ربنا تبارك وتعالى جميع عوامل التعرية (الرياح، المياه، اختلاف درجات الحرارة بين الليل و النهار وبين الفصول المناخية، وغيرها) في تفتيت صخور الجبال لتكوين التربة، وفي شق الفجاج والسبل عن طريق المجاري المائية المختلفة، مما يسر لكل من الحيوان و الإنسان العيش على سطح الأرض بشيء من السهولة واليسر.كذلك يمن علينا ربنا في العديد من آيات القرآن الكريم بتسوية سطح الأرض وتمهيده لتيسير سكنى الإنسان عليها، فقال في هذه الآيات: *الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا…*، ثم أتبع ربنا تبارك وتعالى الإشارة إلى نعمة تمهيد سطح الأرض وشق الفجاج والسبل فيها بنعمة إنزال الماء من السماء عليها، وهذه الإشارة تتحدث عن دورة الماء حول الأرض والتي لا سلطان لأحد عليها إلا الله، فقد من الله تعالى على أهل الأرض ب ١٤٠٠ مليون كم مكعب من الماء الذي أخرجه ربنا تبارك وتعالى كله من داخل الأرض، ولو بقي هذا الماء راكداً على سطح الأرض لأسن وفسد، لذلك شاءت إرادة الله أن يسخر أشعة الشمس في تسخير جزء من ماء البحار والمحيطات، والأنهار والبحيرات، ومن نتح النباتات ومن إفرازات الإنسان و الحيوان ليطهره مما علق به من شوائب، ثم يرسل الرياح لتحمل هذا البخار مكونة السحب، ثم يرسل رياحاً أخرى تحمل نوى التكثف من هباءات الغبار لتلقح بها تلك السحب حتى تصبح قادرة على إنزال جزء مما تحمله من الماء في المكان والزمان وبالقدر الذي يحدده ربنا تبارك وتعالى، ولولا هذه العملية - التي لا سلطان فيها لأحد إلا الله - ما عمرت الآرض، لذلك أتبعت هذه الآيات إنزال الماء من السماء بقوله تعالى: *… فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ*.
قال تعالى: *قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ* (طه: ٥٠).
تشير هذه الآية الكريمة إلى أن الهداية الربانية التي وهبها الله تعالى إلى كل شئ من خلقه هي من أسباب قيام الوجود كله بقوانين محكمة، وسنن ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وهذه الهداية مكملة لعملية الخلق (بمعنى الإيجاد من العدم على غير مثال سابق)، ولو أردنا استعراض هذه الهداية الربانية لاحتجنا إلى مجلدات عديدة، ولكن يمكن إيجاز شئ من ذلك فيما يلي:١- القوانين التي تحكم جميع ما في الوجود من اللبنات الأولية لكل من المادة والطاقة، إلى الأرض وباقي أجرام المجموعة الشمسية، إلى كل من المجرات والتجمعات المجرية، والمحلية، والمجرية العظمى، والمحلية العظمى إلى نهاية السماوات العلى. وحدوث هذه العلاقات في توافق وانسجام تامين، وفي أحكام وانضباط مبهرين يتضحان في كل أمر من أمور الجزء المدرك لنا من هذا الكون.
٢- تخلّق العناصر المختلفة في داخل النجوم أو في صفحات السماء، وإنزال أقدار منها إلى الأرض بحساب دقيق.
٣- ملاءمة الأرض بكل صفاتها ومكوناتها، والدورات المتعددة التي تحدث على سطحها، كل ذلك يشير الى طلاقة القدرة الإلهية في الخلق والهداية لكافة مخلوقاته.
٤- القوانين التي تحكم جميع المخلوقات بمكوناتها ومختلف علاقاتها، وفي تناسق العمل بينها نفي قاطع لادعاء المدعين بالعشوائية أو الصدفة، وشهادة للخالق سبحانه وتعالى بطلاقة القدرة، وعظيم الحكمة والإبداع في الخلق.
٥- خلق الأحياء - بمختلف صورها وأشكالها - من تراب الأرض، وجعلها قادرة على الاستمرار بنسلها من جيل إلى آخر، مع الاحتفاظ بخواصها الذاتية، ومميزاتها الخاصة بها. ويحصي العلماء في زماننا أن عدد الأنواع المعروفة من الكائنات الحية يصل إلى قرابة ١٥ مليون نوعاً، يمثَّل كل نوع منها بملايين الأفراد.
٦- العلاقات المبهرة بين مختلف أنواع الأحياء، خاصة ما يحيا منها في مجموعات كبيرة، شديدة الانضباط والتنظيم.
٧- الاتزان البيئي الدقيق في جميع النظم البيئية، والتي لا يفسدها إلا إفساد البشر، مع قدرة هذه البيئات على إعادة توازنها بذاتها إذا تعرضت لأي من التغيرات الفطرية.
٨- الخلق في زوجية كاملة لجميع المخلوقات (من اللبنات الأولية للمادة إلى الإنسان) حتى يبقى ربنا (تبارك وتعالى) متفرداً بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه.
٩- تسخير كل ما في السماوات والأرض (من مادة وطاقة وظواهر وسنن) للإنسان، والمنهج العلمي قائم على أساس من انضباط قوانين الكون وسننه، ولولا ذلك ما استطاع الإنسان استقراء هذه القوانين وتوظيفها في عمارة الحياة على الأرض.
وهذه اللمحات الموجزة عن صور الهداية الربانية التي من بها ربنا (تبارك وتعالى) على جميع خلقه، والتي لم يتمكن الإنسان من معرفتها إلا بعد مجاهدة طويلة استغرقت آلافاً من العلماء على مدى تاريخ الإنسان على الأرض حتى تمكن من معرفة شئ منها، وهذا كله ينفي العشوائية أو الصدفة في الخلق، كما يؤكد على حقيقة وجود خالق عليم هو الذي أبدع هذا الكون بعلمه وقدرته وحكمته، وهذا كله يعبر عن الهداية الربانية التي ينطق بها كل مخلوق.
قال تعالى: *تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ* (طه: ٤-٦).
تشير هذه الآيات أن في خلق السماوات والأرض ما يشهد لله الخالق بأنه رب هذا الكون ومليكه، وأن هذه السماوات يحيط بها كرسي العرش الذي استوى الرحمن على العرش استواء يليق بجلاله، ولذلك أكدت الآية السادسة على أن جميع ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى هو ملك ربنا تبارك وتعالى، لا يشاركه في ذلك الملك أي من خلقه، وأكدت الدراسات الحديثة أن تحت التراب الندي من الأحياء بلايين الكائنات التي تضم فيما تضم أعداد هائلة من المضادات الحيوية والتي تصل في أعدادها إلى أكثر من ٤ ملايين نوع، كما أن في هذه المنطقة من الثروات الأرضية الشيء الكثير.وهذه البينية الفاصلة للأرض عن السماوات تشير إلى مركزية الأرض من هذه السماوات، وهي حقيقة لا يمكن للإنسان أن يصل إليها بحسه المحدود بمحدودية كل من زمانه، ومكانه وقدرات حواسه، ولم يدرك العلماء في زماننا من الكم الهائل للأحياء في قطاع ما تحت الثرى إلا أقل من ١٪ مما هو موجود فيها، والإشارة إلى أن الله تعالى يعلم السر وأخفى فيها من التعظيم للخالق سبحانه وتعالى ما لا يدركه أي من خلقه، (فالسر) هو ما حدث الإنسان به غيره في خفاء، أما (الأخفى) فهي خواطره النفسية التي لا يحدث بها غيره فلا يعلمه إلا الله.
بقلم الدكتور زغلول النجار
تعليقات
إرسال تعليق