القائمة الرئيسية

مقالات دينية,جولة نسائية,جولة قرآنية,قصص دينية,جولة أطفال

 

أسرار سورة النور

فضل سورة النور .

وهي نور  بما تحمله  من توجيهات الله تعالى  تنير طريق العباد  في  شعاب الدنيا المظلمة  الملتوية الملغومة  ليسلموا  في عقيدتهم وفكرهم وسلوكهم قال الله تعالى [ أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها  كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ] وقال تعالى [ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ]
وكان نزول  السورة المباركة في  أعقاب  حادثة الإفك  التي هي حادثة الزور الذي افتراه المنافقون على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . فقرر الله من خلالها أحكاما عدة منها :
1 ــ نزلت  السورة تحمل شهادة  الله ببراءة عائشة رضي الله عنها من إفك المنافقين ، وبيان وعيده تعالى للقاذفين
قال الله تعالى [ إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ]
2 ــ قررت السورة حد القذف . فقد كان بعض المسلمين قد أطلقوا ألسنتهم  مع أمواج الحدث فتنا قلوه  فأمر الله بجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة . وهم  : مصطح ـ  وحسان بن ثابت ـ وحمنة بنت جحش  فأمر  النبي صلى الله عليه وسلم  بتنفيذ حكم الله تعالى فيهم
فبقي  هذا الحكم  حدا من حدود الله  خالدا على كل قاذف لمؤمن أو مؤمنة  قال الله تعالى  [والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ]
3 ـ قررت السورة أن من أضمر الشر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وبالمؤمنين والمؤمنات عرضه الله للفتنة  وأوقعه في الشبهات والز ندقة والنفاق . فمن  نبش ما لا يجوز له النبش فيه  وحاول  أن يثبت  عيبا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، أو  حاول  أن يثبت تهمة عائشة رضي الله عنها ، أو يثبت فضيحة  لمؤمن باتباع  العورات ، فإن الله  تعالى يفضحه  ويوقعه في سوئه وتربصه ...[ ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ] روى الإمام الترمذي بسند حسن عن ابن عمر قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع ، [ حتى أسمع العواتق في خدورهن ]  فقال : «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله » قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك» لأن المسلمات لها حرمها شرعا وكونا فمن خالفها فقد خالف طريق الهدى وماذا بعد الحق إلا الضلال .
4ـ من اتهم عائشة  رضي الله عنها بعد نزول السورة  خرج من الإسلام وإن صلى وصام  لأنه بذلك يكون مكذبا لله تعالى
5 ـ واسى الله تعالى من سيؤذى في عرضه من المؤمنين والمؤمنات ..فمن أوذي فعليه  أن يصبر  ويحتسب أجره عند الله تعالى وعليه أن يتصبر بؤسوته في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اوذي بقذف أهله  عائشة رضي الله عنها وتألم لذلك ألما شديدا . وأنه صلى الله عليه وسلم قال : ثلاث أقسم عليهن : ما نقص مال بصدقة ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب ذل .
6 ـ وضعت السورة  منهاجا  واضحا فصلا  بين  السنة والشيعة
7 ـ ركزت السورة على حفظ اللسان وبينت مخاطره وأن الواقع في أعراض العباد واقع في حدود الله يبقى بذلك مدينا إلى أن يقتص الله منه للمظلوم
فالسورة لخصت ما تفرق في نصوص  كثيرة عددت  ونوعت مخاطر اللسان  ليلجم  ويحذر شره
- قال النبي صلى الله عليه وسلم :  وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم
- وقال : [ لا يدخل الجنة قتات . ولا يدخل الجنة نمام ]
- ومر صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال :  إنهما ليذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بين الناس بالنميمة . وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ـ أولا يستنزه من بوله
- وشبه  الله الواقع في أعراض الناس بمن يأكل وينهش  لحوم الأموات  [ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا  فكرهتموه ]
فاللسان على الرغم من أنه جرم صغير لكنه صاحب جرم كبير .  قال الله تعالى عن خطره [تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ]
لذلك يعتبر الحافظ للسانه سالما  من شرور كثيرة .  والإنسان يوزن  بقلبه ولسانه  فالقلب  خزان  واللسان  ينفق مافيه  خيرا أو شرا  ومكانته ومستقبله يحدد  بذلك  قال النبي صلى الله عليه وسلم  : [ إن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة ، الثرثارون والمتشدقون  والمتفيهقون ..] . أورد الإمام القرطبي في التفسير   أن لقمان الحكيم  أمره سيده يوما : أن يذبح له شاة ويأتيه  بأطيبها مضغتين، فأتاه باللسان والقلب، فقال له: ما كان فيها شي أطيب من هذين؟ فسكت، ثم أمره  مرة أخرى أن بذبح شاة أخرى وأن يلقي  أخبثها مضغتين، فألقى اللسان والقلب .  فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيبها مضغتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي أخبثها فألقيت اللسان والقلب؟! فقال له: إنه ليس شي أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا. قلت: هذا معناه مرفوع في غير ما حديث، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ؟
والإنسان  في الحياة  مفتون  بلسانه ، وفتنته بذلك مقصودة  لله في سنن الكون  ... فالوقوع في أعراض الناس حرمه الله شرعا تحريما مشددا  لكن أوجده كونا ليكون مرتعى  للأشرار  سبيلا من سبل الضلال  سببا من أسباب الخسران
فمن لم يسمع لله ويتربى بأخلاق رسول الله  وينقاد لأوامره ونواهيه  ويقوم بمجهود ليحبس  ثعبانه  عن لحوم الناس الناس فسيقع في الظلم  حتما ويسخره إبليس بوقا لخزاياه  ووعاء لنفخه ونفثه .
وقد أصبح التفكه بأعراض العباد مطلب السفهاء  في محاولات متكررة ومتجددة  قصد تشويه  الدين وتشويه القدوة  . ولا ننسى أن تشويه الصالحين وتشويه القدوة هو السلاح الأول  لأبي جهل وأبي لهب  في  حربهم لرسالة الإسلام ورسوله  صلى الله عليه وسلم  ولكن  حكم الله قاهر  [ وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ] فأين كلمة أبي جهل من كلمة محمد صلى الله عليه وسلم ..                               

فكم قد رأينا من رجال ودولة               فبادوا جميعا مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علت شرفاتها           رجال، فزالوا والجبال جبــــال
ـ  فينبغي للخير صاحب الطينة الطيبة  أن يقرأ الدنيا بعقله  لا بشهواته ونزواته ،  ويقرأها بفكره النقي لا بفكر خبيث  وأن ينظر إلى من نجا كيف نجا ولا ينظر إلى من هلك كيف هلك . فيشرف سمعه ولسانه عن الملوثات  والقاذرات  فكفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع  .
فإذا كان البعوض والذباب ترعى في المزابل فإن النحلة  تأبى أن ترعى إلا  على الزهور واليسمين
فإذا كان من الناش من يشم منهم الروائح الكرهة ، فهناك من الناس من يشم منهم الروائح الزكية
فهذا الحذر  وهذه القراءة هي التي تحفظ الشريف  من الانخداع  والهبوط  والسقوط إلى نشر الأكاذيب  واخبار السوء  فيكون مفسدا من حيث غفلته ويصبح ساحرا من حيث لا يدري  وقد قيل : يفسد النمام في ساعة  مالا يفسده  الساحر في سنة .
ومن الأسس العامة في  شريعة الإسلام  ستر العباد  [ ومن ستر مسلما ستره الله ]. فالله تعالى ستير  يستر من يستر  الخلق  وذلك رفعا للمجتمع إلى العالي وجعل  حديثه في فضائل الخلق لا في زلاتهم وسقطاتهم  فإن الأجيال تتربى على ما تسمع . لذلك وجه النبي صلى الله عليه وسلم قوله إلى العاصى إن قهر بمعصيته أن يستتر بستر الله فقال [ من ابتلي منكم بهذه القاذرات فليستتر بستر الله ] وقال  [ كل الناس معافى إلا المجاهرون ]
بهذا الوعي يسهم الإنسان  في حفظ تماسك  المجتمع  والأمة وفي حفظ أخلاقها .
وكل  فروع هذه الدعوة  إلى ستر صاحب الزلة إذا كان الإنسان قد رأى وشاهد الزلة ، أما إذا لم يشاهد  ومع ذلك نقل الإشاعة وروجها بين العباد لاسيما ما يتعلق بالقذف فحكمه شديد
 فالمسلم أمام كل مايذاع وينشر مسئول والله تعالى يقول [ ستكتب شهادتهم ويسألون ]
فكل مسلم قذف مسلما أو مسلمة بالزنا فعليه البينة ، والبينة  - كما حددها الله  - أن يشهد  أربعة رجال ثقات أثبات لدى القاضي الشرعي ويتفقون على أنهم رأوه بعيونهم على الفاحشة .  وصفة الرؤيا بينها النبي صلى الله عليه وسلم  بأ ن يقول كل شاهد : رأيتهما  وقد  « غَابَ ذَلِكَ مِنْه فِي ذَلِكَ مِنْهَا كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ،  وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ؟ »
فإن تغيرت شهادة واحد منهم فلم يشهد بهذه الصفة الدقيقة وجب حد القذف على الثلاثة . وهو ثمانون جلدة . واعتبروا عند الله كاذبين [ فإذ لم ياتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ] والجريمة بهذه الصورة يبعد ثبوتها  فتكون مقاصد الشرع   من التضييق في  إلحاق التهمة بالشخص هي سلامة  المجتمع من ترويج  القاذرات  واتهام الخلق فلا تشيع الفواحش في الأمة  .
فالانتباه : فكم من شاب بل رجال يسب بعضهم بعضا بقذف أمهاتهم والله تعالى قد وضع في ذلك حدودا هي دين في أعناق القاذفين ...
وحقوق العباد لا يغفرها الله  قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجلحاء  من الشاة القرناء ]
وقد علم الله المسلم بما ذا ينجوا  وكيف ينجو  من  التلطخ  بالأخبار الشنيعة الشائعة  فقال  [ لولا إذ سمعتموه ظن المومنون والمومنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ] وقال  [ ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم  يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين  ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ]

بقلم أستاذي الدكتور عبد الحفيظ العبدلاوي
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع